عائشة الكعبي الإنسان الطموح ينجح أينما وضع
ولدت عائشة خميس الكعبي في مدينة كلباء، ودرست في مدارسها، وعاشت أجمل أيام طفولتها في بيئة جميلة تسودها المحبة والاحترام المتبادل بين أفراد الجميع، ومنذ طفولتها الأولى تميزت بحبها للقراءة وتعلقها الكبير بالكتب، التي نهلت من متونها المعارف والخبرات الحياتية، وقد دفعها شغفها للقراءة إلى الحرص الدائم على تخصيص جزء من مصروفها الشخصي الذي كانت تحصل عليه من والدها رحمه الله لشراء الكتب والمجلات، ولم تكن تدري وقتها أن عملها ووظيفتها المستقبلية ستكون رفقة الكتب، التي لطالما أحبتها وخصصت لها حيزا كبيرا من وقتها ومالها وحياتها، حيث تشغل منذ عام 2003 منصب أمينة مكتبة كلباء العامة. التقينا بها في «مجلة الشرقية»، وأجرينا معها هذا الحوار، الذي سلط الضوء على حياتها ونشأتها وتعليمها في مدينة كلباء، وعلى مسيرتها المهنية الحافلة بالإنجازات في مجال إدارة المكتبات، والممتدة لـ 26 عاما، إلى جانب إسهاماتها الكبيرة في العمل التطوعي والمجتمعي.
النشأة والتعليم في البدء حدثينا عن نشأتك الأولى والجو الأسري الذي ترعرعت فيه؟
ولدت فى مدينة كلباء، وترعرعت فى كنف والدي، وكانت بيوتنا قريبة من البحر، وأكملت المرحلة الابتدائية في مدرسة المحطة، التى حققت فيها نتائج جيدة ومشرفة، كنت محبة لمادتي اللغة العربية والإنجليزية، وبعدها تابعت الدراسة الإعدادية والثانوية في مدرسة جميلة بوحيرد الثانوية للبنات في المساق الأدبي، حيث كان شغفي بالمواد الأدبية أكبر من المواد العلمية، وفي أيام أجمل اللحظات صديقات الطفولة، الدراسة عشت سع وأذكر أنه عند وصولي إلى المرحلة الثانوية، تملكني خوف كبير من موضوع الامتحانات، لا سيما وأن الثانوية تعتبر مرحلة مفصلية فى الدراسة، ويتحدد مصير ومستقبل الطالب بناء على نتيجتها النهائية، وقد نجحت وبدعم أسرتي ومعلماتي في تحويل هذا الخوف إلى دافع لتحقيق النجاح واجتياز المرحلة بتفوق، وكنت أواظب على الدراسة والتحصيل الدراسي، وفي حال وجود أي صعوبة ألجأ إلى أختي الكبرى، حيث كانت جزاها الله خيرا تساعدني فتشرح لي ما خفي علي، وفي نهاية المطاف أكملت الثانوية وحصلت على الشهادة.
وفي أيام الدراسة ظهر حبي الكبير للقراءة، التي باتت فيما بعد عادة يومية لا أتخلى عنها أبدا، وأذكر أنني كنت أقرأ ومنذ الصغر القصص والروايات الأدبية، التي كنت أتبادلها مع زميلات الدراسة في عطلة نهاية الأسبوع والعطلات الصيفية، حيث كنت أقضي جل أوقات فراغي فى القراءة وتنمية معارفي، وحبي الكبير للقراءة دفعني في ذلك الوقت إلى ادخار جزء من مصروفي الشخصي الذي كنت أحصل عليه من والدي رحمه الله لشراء الكتب والمجلات مثل مجلة ماجد ومجلة زهرة الخليج، وغيرها من المجلات. وممارستي للقراءة بشكل مستمر فتح لي باكرا الكثير من الآفاق، وأتاح لي فرصة المشاركة في الأنشطة الثقافية والأدبية، التي كانت تقام في المدرسة، حيث كان يقع الاختيار علي دائما من قبل معلمات اللغة العربية لتقديم فقرات الإذاعة المدرسية، كما كانت لدي مشاركات عديدة في الأنشطة والفعاليات الرياضية، والرحلات العلمية والدراسية، وكنت أحرص على المشاركة كل عام في رحلة أو رحلتين علميتين، كما كنت أحرص كذلك على المشاركة في الأنشطة اللاصفية الأخرى، وقد استفدت كثيرا من كل هذه المشاركات، التى ساهمت بشكل كبير في تعزيز مهاراتي ومواهبي.
دعم الأسرة حدثينا عن دعم الأسرة لك في محطات حياتك المختلفة؟
كان والدي رحمه الله ووالدتي هما السند الرئيسي في حياتي، وكانا يوفران لي ولأشقائي كل أسباب وعوامل النجاح والتفوق، وكان والدي موظفا في هيئة كهرباء ومياه وغاز الشارقة، وقد وفر لنا كل الظروف لحياة كريمة، وكانت والدتي تشجعني دائما على مواصلة الدراسة. بعد إكمالي للمرحلة الثانوية لم يتسن لي في بداية الأمر الالتحاق بالجامعة نظرا لبعد جامعة الإمارات في مدينة العين عن مسكني بكلباء، وهو ما دفعني للالتحاق بالوظيفة مبكرا، ثم متابعة الدراسة الجامعية لاحقا، حيث حصلت فيما بعد على شهادة البكالوريوس من كلية الآداب بجامعة بيروت فرع الإسكندرية في تخصص الجغرافيا.
محطات مهنية ما هي أبرز محطاتك المهنية؟
كما ذكرت أنفا، بعد حصولي على الثانوية العامة، لم يتسن لي الالتحاق بالجامعة، وبعد جلوسي لفترة من الزمن في المنزل، فكرت أن علي أن أجد وظيفة أدخل بها في تجربة الحياة العامة، وأحصل منها على راتب، وأخدم بها وطني، فبدأت رحلة البحث عن وظيفة، وكنت حريصة على أن تكون في مدينة كلباء، وبعد عدة اتصالات وبحث، علمت بوجود شاغر في مركز الطفل بكلباء، فتقدمت للوظيفة واجتزت الاختبار، وتم تعييني في تلك الوظيفة التي عملت فيها حوالي ثلاثة أعوام، ولم أهتم وقتها بحجم الراتب لأن المهم عندي كان هو خوض التجربة واكتساب الخبرة، وقد كانت محطة مهمة في حياتي، حيث اكتسبت فيها الكثير من الخبرات والمهارات الإدارية، كما ظفرت من خلالها بمحبة الأطفال وأهاليهم، وقد شاركت في تلك الفترة في العديد من المهرجانات باسم المركز، وحصلت على إشادات كثيرة من علي أحمد المغني، الذي كان يدير مراكز الأطفال بالشارقة والمنطقة الشرقية، وقد أتاحت لي هذه الوظيفة أن أكون جزءا من فريق العمل، الذي شهد بدايات تأسيس مركز الطفل في كلباء مطلع التسعينات من القرن الماضي. مكتبة كلباء العامة وبعد أن أمضيت ثلاثة أعوام في مركز الطفل في كلباء، تم ترشيحي لشغل وظيفة رسمية في مكتبة كلباء العامة، فعينت عام 1995 في وظيفة إدارية شغلتها لثمانية أعوام، وقد أضاف لي عملي في المكتبة الكثير من الخبرات، وأتاح لي أن أكون بالقرب من الكتب التي عشقتها وشكلت عالمي الجميل منذ الطفولة، وقد كانت مكتبات الشارقة العامة تتبع في ذلك الوقت لدائرة الثقافة، وهو ما أتاح لي المشاركة في الكثير من الأعمال والأنشطة التطوعية الخارجية للدائرة، ومنها القوافل الثقافية، وخرجت من تلك التجربة بأن تعلمت التفاني والإخلاص في العمل والإبداع والتجويد والتطوير، وقد استفدت كثيرا من تجربة محمد السويجي مدير فرع دائرة الثقافة في الشرقية، الذي كان يشجعنا دائما على متابعة تعليمنا الجامعي ونحن في وظائفنا، ولذلك تقدمت بطلب التفرغ من العمل لاستكمال دراستي الجامعية، والتحقت بجامعة بيروت فرع الإسكندرية، وخلال فترة الامتحانات كنت أسافر إلى مصر وأذكر أنني في السنة الدراسية الأولى ذهبت رفقة أخي، ثم رافقني في الأعوام اللاحقة زوجي، الذي كان ولا يزال أكبر داعم لي في مسيرتي الدراسية والمهنية، ومن جانبي دعمته كذلك في مسيرته المهنية والتعليمية. وبعد حصولي على الشهادة الجامعية تقدمت في السلم الوظيفي، حيث تم تعييني في عام 2003 لشغل منصب أمينة مكتبة كلباء العامة، وجاء هذا التعيين بعد سنوات من الاجتهاد والعمل في المكتبة، وتسلمت مهامي الإدارية وأصبحت مسؤولة عن كل فريق عمل المكتبة، وهنا أود التأكيد على أن المكتبة تعتبر بالنسبة لي بمثابة بيتي الثاني، وأهتم بأدق التفاصيل فيها، وأسعى دائما إلى تقديم أفضل الخدمات لروادها.
إلى ماذا تعزين أسباب نجاحك في مجال المكتبات، وهو ليس تخصصك الأصلي؟
النجاح هو طموح وسعي، والإنسان الطموح يمكن أن ينجح أينما وجد نفسه، حتى ولو لم يكن في تخصصه الأصلي، لأن الطموح يتعلم دائما، ويسعى للاكتشاف واكتساب المعارف وحصر المعلومات عن ذلك المجال، وهذا دائما يعطي النتيجة المرجوة، ويجعل صاحبه الإبداع والابتكار والتنويع في تنظيم الأنشطة والبرامج التي نسعى من خلالها إلى تعزيز عادة القراءة، وتشجيع كل أفراد المجتمع على ارتياد المكتبات العامة وملازمتها والتزود بمعارفها، وجعل القراءة عادة يومية لهم، تماشيا مع رؤى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتنفيذا لتوجيهات سموه. متفوقا، وقد سعيت بمقدار جهدي لكي أتعلم كل شيء فى مجال المكتبات، فقرأت كثيرا عنه، وانتسبت لعدة دورات، وحصلت على عدة شهادات فى إدارة المكتبات من معهد إدارة نيوفيجن للتدريب، وفي شهادة في الأرشفة المكتبية من جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات، كما حصلت على شهادات عديدة خلال مشاركاتي المستمرة في الدورات التي تنظم في إطار مؤتمر المكتبات، الذي يتم تنظيمه كل عام ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، كما أن لدي شهادات عديدة في مجال الحاسب الآلي والتقنية الرقمية، ومجالات أخرى عديدة، وقبل ذلك حصلت خلال عملي في مركز الطفل على العديد من الشهادات والتكريمات من مراكز أطفال الشارقة وغيرها من المؤسسات والدوائر الحكومية.
إسهامات مجتمعية لديك إسهامات جليلة في العمل التطوعي نود التوقف عندها؟
أحرص دائما على أن يكون لي حضور وبصمة في العمل التطوعي خدمة لوطني ولمجتمعي، ولدي في هذا الجانب العديد من المشاركات، وكانت أول مشاركة تطوعية في ((ملتقى السيفة»، الذي كانت تنظمه دائرة الثقافة بالشارقة في مدينة كلباء، وهو برنامج ثقافي علمي تراثي، كان يهدف إلى التعريف بالحرف التقليدية القديمة، كما كانت لي مشاركات في مشروع «نحو طيف هادئ»، الذي كانت تنظمه مراكز الناشئة، بهدف دعم الشباب وإكسابهم العديد من المهارات الحياتية، التي تفيدهم في مختلف المواقف التي يمرون بها، وخلال مسيرتي المهنية في إدارة المكتبات، التى امتدت لـ 26 عاما، شاركت في تنفيذ الكثير من البرامج التدريبية، التي تستهدف تدريب وتأهيل أمناء المكتبات المدرسية، كما لدي مشاركات تطوعية عديدة في أيام الشارقة التراثية بمدينة كلباء، والقوافل الثقافية، ومعرض الشارقة الدولي ، ومهرجان الشارقة القرائي للطفل. وفي مجال التطوع فأنا عضوة في عدد من الجمعيات والمبادرات وأذكر منها جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات، ومبادرة ((جيران» التابعة لمراكز التنمية الأسرية، وأحرص دائما على تشجيع أبنائي على الانخراط في العمل التطوعي، وقد فاز ابني مؤخرا بالمركز الثالث في مسابقة جائزة الشارقة للعمل التطوعي في فئة الطلبة الحلقة الثانية.
الوفاء ورد الجميل ما الذي تسعين إلى تقديمه لمدينة كلباء ولإمارة الشارقة عموما؟
في البدء لابد هنا من التأكيد على أننا نحن أبناء وبنات إمارة الشارقة محظوظون بما توفر لنا من أسباب عيش كريم، وخدمات راقية، وخاصة من فرص تعليم حديث في كافة المجالات وعلى جميع المستويات، وبما نحظى به من مؤسسات حكومية تخدم كل فئات المجتمع، وبالعودة للسؤال فأرى أن واجبي نحو إمارتي هو الوفاء لها والإخلاص في أداء الوظيفة بأكبر قدر من المسؤولية وبما ينفع الجمهور، وكذلك الحرص على كل ما يرفع شأن الإمارة ويحفظ أهلها وإمكانياتها وبيئتها الطبيعية، وبالتأكيد فإن مدينة كلباء هي فى القلب من ذلك الواجب، وهي الحب الأول، وهي الأهل والأصحاب والمنزل والجيران وكل عالمي الخاص الجميل، فكل شيء جميل أستطيع أن أقدمه لها أقدمه، وسأظل أقدمه، وذلك من خلال المشاركة في جميع المبادرات والفعاليات الثقافية والاجتماعية والتراثية، وتعزيز الوعي بأهمية القراءة وتشجيع كل أفراد المجتمع على جعلها عادة يومية. وفي الختام أود أن أوجه شكري وامتناني عبر مجلة ((الشرقية» لوالدي وقدوتي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي له فضل كبير علينا نحن بنات وأبناء الشارقة، فمكرمات سموه، التى لا تتوقف كانت سببا في استكمالنا لمسيرتنا التعليمية، ووصولنا إلى مراكز متقدمة فى الحياة العملية، وعززت مشاركتنا في شتى المجالات.